سورة الكهف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{قَالَ} الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} يعني هذا وقت فراق بيني وبينك وقيل: هذا الإنكار على ترك الأجر هو المفرق بيننا. وقال الزجاج: معناه هذا فراق بيننا أي فراق اتصالنا وكرر بين تأكيدا.
{سَأُنَبِّئُكَ} أي سوف أخبرك {بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} وفي بعض التفاسير أن موسى أخذ بثوبه فقال: أخبرني بمعنى ما عملت قبل أن تفارقني فقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}.


{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} قال كعب: كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر وفيه دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئا فلا يزول عنه اسم المسكنة إذا لم يقم ما يملك بكفايته {يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} أي: يؤاجرون ويكتسبون بها {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} أجعلها ذات عيب.
{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} أي أمامهم {مَلِكٌ} كقوله: {من ورائه جهنم} [إبراهيم- 16].
وقيل: {وراءهم} خلفهم وكان رجوعهم في طريقهم عليه والأول أصح يدل عليه قراءة ابن عباس {وكان أمامهم ملك}.
{يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} أي: كل سفينة صالحة غصبا وكان ابن عباس يقرأ كذلك فخرقها وعيبها الخضر حتى لا يأخذها الملك الغاصب وكان اسمه الجلندي وكان كافرا.
قال محمد بن إسحاق: اسمه متوله بن جلندي الأزدي.
وقال شعيب الجبائي: اسمه هدد بن بدد.
وروي أن الخضر اعتذر إلى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون بخبره وقال: أردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزه أصلحوها فانتفعوا بها قيل: سدوها بقارورة وقيل: بالقار. قوله عز وجل: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا} أي فعلمنا وفي قراءة ابن عباس: {وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين فخشينا} أي: فعلمنا {أَنْ يُرْهِقَهُمَا} يغشيهما وقال الكلبي: يكلفهما {طُغْيَانًا وَكُفْرًا} قال سعيد بن جبير: فخشينا أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه.


{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا} قرأ أبو جعفر ونافع وأبو عمرو: بالتشديد هاهنا وفي سورة التحريم والقلم وقرأ الآخرون بالتخفيف وهما لغتان وفرق بعضهم فقال: التبديل: تغيير الشيء أو تغيير حاله وعين الشيء قائم والإبدال: رفع الشيء ووضع شيء آخر مكانه {رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} أي صلاحا وتقوى {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} قرأ ابن عامر وأبو جعفر ويعقوب: بضم الحاء والباقون بجزمها أي: عطفا من الرحمة. وقيل: هو من الرحم والقرابة قال قتادة: أي أوصل للرحم وأبر بوالديه.
قال الكلبي: أبدلهما الله جارية فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى الله على يديه أمة من الأمم.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: أبدلهما الله جارية ولدت سبعين نبيا.
وقال ابن جريج: أبدلهما بغلام.
قال مطرف: فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل. ولو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله تعالى فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب. قوله عز وجل: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ} وكان اسمهما أصرم وصريم {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} اختلفوا في ذلك الكنز روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان ذهبا وفضة».
وقال عكرمة: كان مالا.
وعن سعيد بن جبير: كان الكنز صحفا فيها علم.
وعن ابن عباس: أنه قال كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه: «عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح! عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل! عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب! عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب! عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها! لا إله إلا الله محمد رسول الله». وفي الجانب الآخر مكتوب: «أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه» وهذا قول أكثر المفسرين وروي ذلك مرفوعا.
قال الزجاج: الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال، ويجوز عند التقييد أن يقال عنده كنز علم، وهذا اللوح كان جامعا لهما.
{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} قيل: كان اسمه كاسح وكان من الأتقياء. قال ابن عباس: حفظا بصلاح أبويهما.
وقيل: كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء.
قال محمد بن المنكدر: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم.
قال سعيد بن المسيب: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي.
قوله عز وجل: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} أي: يبلغا ويعقلا. وقيل: أن يدركا شدتهما وقوتهما. وقيل: ثمان عشرة سنة.
{وَيَسْتَخْرِجَا} حينئذ {كَنْزَهُمَا رَحْمَةً} نعمة {مِنْ رَبِّكَ}.
{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر الله وإلهامه {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي لم تطق عليه صبرا واستطاع واسطاع بمعنى واحد.
روي أن موسى لما أراد أن يفارقه قال له: أوصني، قال: لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه لتعمل به.
واختلفوا في أن الخضر حي أم ميت؟ قيل: إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم. وكان سبب حياته فيما يحكى أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذا القرنين دخل الظلمات لطلب عين الحياة. وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل واغتسل وتوضأ وشرب وصلى شكرا لله عز وجل وأخطأ ذو القرنين الطريق فعاد.
وذهب آخرون إلى أنه ميت لقوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} [الأنبياء- 34].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما صلى العشاء ليلة: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم حي على ظهر الأرض أحد». ولو كان الخضر حيا لكان لا يعيش بعده.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15